أنيميا نقص الحديد (فقر الدم الناجم عن عوز الحديد)

تُعتبر أنيميا نقص الحديد من أكثر أنواع فقر الدم شيوعاً وانتشاراً على مستوى العالم، حيث تؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والجنسيات. تعرف هذه الحالة بانخفاض كمية الحديد في الجسم، مما يؤدي إلى نقص في تكوين الهيموغلوبين، المركب البروتيني المسؤول عن نقل الأكسجين في خلايا الدم الحمراء. ولهذا النقص تأثيرات مباشرة على قدرة الجسم على أداء وظائفه الحيوية بشكل طبيعي، حيث يعاني المصاب من ضعف عام، إرهاق، تدهور في التركيز، ومشكلات صحية أخرى متعددة.

مفهوم أنيميا نقص الحديد

فقر الدم بشكل عام هو حالة تعني نقص عدد خلايا الدم الحمراء أو كمية الهيموغلوبين في الدم عن المعدل الطبيعي، مما يقلل من قدرة الدم على حمل الأكسجين. أنيميا نقص الحديد هي أحد أنواع فقر الدم التي تحدث بسبب عدم توفر كمية كافية من الحديد الضروري لتكوين الهيموغلوبين. الحديد هو معدن أساسي يدخل في تكوين الهيموغلوبين الذي يعطي الدم لونه الأحمر ويعمل على نقل الأكسجين من الرئتين إلى كافة خلايا الجسم.

في حالة نقص الحديد، لا يستطيع الجسم تصنيع ما يكفي من الهيموغلوبين، مما يؤدي إلى ظهور أعراض فقر الدم، والتي يمكن أن تتراوح بين الأعراض الخفيفة التي تمر دون ملاحظة إلى حالات شديدة تهدد حياة المريض.

أسباب أنيميا نقص الحديد

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى نقص الحديد في الجسم، ومنها أسباب متعلقة بنقص في تناول الحديد، أو أسباب تتعلق بفقدان الحديد أو زيادة حاجته. يمكن تصنيف الأسباب بشكل رئيسي إلى:

1. نقص تناول الحديد في الغذاء

يعتبر تناول كمية غير كافية من الحديد من المصادر الغذائية من الأسباب الشائعة لحدوث نقص الحديد، خاصة في المجتمعات التي تعاني من سوء التغذية. الأطعمة التي تحتوي على الحديد تشمل اللحوم الحمراء، الكبد، الأسماك، البيض، الخضروات ذات الأوراق الخضراء، والبقوليات. النقص في هذه الأطعمة يؤدي إلى انخفاض مخزون الحديد في الجسم.

2. فقدان الحديد بسبب النزيف

النزيف المزمن يعتبر من الأسباب الرئيسية لفقر الدم الناجم عن نقص الحديد، مثل النزيف الحاد أو المزمن من الجهاز الهضمي بسبب قرحة المعدة أو الأمعاء، أو وجود أورام داخلية. كذلك النزيف الحاد في الدورة الشهرية عند النساء، خصوصاً في حالات غزارة الطمث، يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من الحديد بشكل دوري.

3. زيادة الحاجة إلى الحديد

بعض الحالات الصحية والفسيولوجية تتطلب زيادة في حاجات الجسم من الحديد، مثل فترات الحمل والرضاعة، حيث يزداد احتياج الأم لنمو الجنين وتكوين دم جديد، وكذلك فترة النمو السريع عند الأطفال والمراهقين. عدم تلبية هذه الحاجة يؤدي إلى نقص مخزون الحديد.

4. سوء امتصاص الحديد

بعض الأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي، مثل داء السيلياك، أو التهابات الأمعاء المزمنة، أو استئصال جزء من المعدة أو الأمعاء الدقيقة، تؤثر على قدرة الجسم على امتصاص الحديد من الطعام، مما يؤدي إلى نقص الحديد رغم توفره في الغذاء.

أعراض أنيميا نقص الحديد

تتنوع أعراض أنيميا نقص الحديد باختلاف شدة الحالة ومدة استمرارها، لكنها عادة ما تتطور تدريجياً وتتضمن:

• التعب والإرهاق المستمر، حتى مع بذل جهد بسيط.

• شحوب في لون الجلد والأغشية المخاطية (كالشفاه واللثة).

• ضيق التنفس عند القيام بنشاط بدني بسيط.

• خفقان في القلب وتسارع نبضاته.

• الدوار والصداع المتكرر.

• برودة الأطراف.

• ضعف التركيز وصعوبة في الانتباه.

• آلام في الصدر في الحالات الشديدة.

• تشققات في زوايا الفم.

• تساقط الشعر وضعف الأظافر.

• أحياناً شعور بالوخز أو التنميل في الأطراف.

• في بعض الحالات، قد تظهر أعراض غير شائعة مثل متلازمة تململ الساقين، وهي حالة تحفز المريض على تحريك ساقيه باستمرار.

التشخيص

تشخيص أنيميا نقص الحديد يعتمد بشكل رئيسي على الفحوصات المخبرية التي تحدد مستوى الهيموغلوبين ومخزون الحديد في الجسم. أهم هذه الفحوصات:

• عد الدم الكامل (CBC): يبين انخفاض عدد خلايا الدم الحمراء وتركيز الهيموغلوبين.

• مستوى الفيريتين في الدم: يعكس مخزون الحديد في الجسم، ويعتبر من أفضل المؤشرات لتشخيص نقص الحديد.

• مستوى الحديد في الدم وارتباطه بالبروتين الناقل (TIBC): يعكس كمية الحديد المتاحة في الدم وقدرة البروتينات على حمله.

• خزعة من نخاع العظم (في حالات نادرة): تستخدم لتقييم مخزون الحديد داخل نخاع العظم.

تحديد السبب وراء نقص الحديد هو جزء أساسي من التشخيص، لذلك قد يُجرى المريض فحوصات إضافية للكشف عن مصادر النزيف أو مشاكل في الامتصاص.

مضاعفات أنيميا نقص الحديد

في حال عدم معالجة نقص الحديد، قد تتطور الحالة إلى مضاعفات خطيرة منها:

• تفاقم فقر الدم وزيادة أعراض التعب والضعف.

• ضعف الجهاز المناعي وزيادة التعرض للعدوى.

• تأخر في النمو البدني والعقلي عند الأطفال.

• ضعف في الأداء الذهني والتركيز.

• في حالات الحمل، يزيد نقص الحديد من خطر الولادة المبكرة وانخفاض وزن المولود.

• مشاكل في القلب مثل تضخم القلب أو فشل القلب نتيجة الجهد المستمر لتعويض نقص الأكسجين.

علاج أنيميا نقص الحديد

علاج أنيميا نقص الحديد يتطلب معرفة السبب الأساسي لنقص الحديد ثم معالجة ذلك السبب، مع تعويض الحديد المفقود واستعادة مخزون الجسم. تشمل طرق العلاج:

1. المكملات الغذائية

• مكملات الحديد الفموية: هي العلاج الأولي وأكثر الطرق شيوعاً. تؤخذ على شكل أقراص أو شراب، ويفضل تناولها على معدة فارغة مع تجنب تناول بعض الأطعمة أو المشروبات التي تقلل من امتصاص الحديد مثل الشاي والقهوة.

• الجرعة ومدة العلاج تختلف حسب شدة النقص واستجابة الجسم، وقد يستمر العلاج لعدة أشهر حتى تعود مخازن الحديد إلى مستويات طبيعية.

2. تعديل النظام الغذائي

• زيادة تناول الأغذية الغنية بالحديد، مثل اللحوم الحمراء، الكبد، الدجاج، الأسماك، البقوليات، الحبوب الكاملة، والخضروات الورقية الخضراء.

• تناول الأغذية الغنية بفيتامين C (كالبرتقال والفلفل الأحمر) يساعد على تحسين امتصاص الحديد.

• تجنب الأطعمة والمشروبات التي تعيق امتصاص الحديد أثناء تناول المكملات.

3. علاج الأسباب الأساسية

• في حالة النزيف، يجب علاج مصدر النزيف سواء كان نزيف الجهاز الهضمي أو الدورة الشهرية.

• علاج الأمراض التي تسبب سوء الامتصاص مثل داء السيلياك.

• في حالات الحمل، متابعة طبية دقيقة لضمان تلبية حاجات الجسم.

4. العلاج بالحقن أو بالدم

• في الحالات الشديدة أو التي لا تستجيب للعلاج الفموي، قد يلجأ الطبيب إلى إعطاء حقن الحديد الوريدية.

• في حالات فقر الدم الشديد جداً، قد يحتاج المريض إلى نقل دم لتحسين الحالة بسرعة.

الوقاية من أنيميا نقص الحديد

الوقاية هي السبيل الأمثل لتجنب هذه الحالة الصحية التي تؤثر على جودة الحياة، وتتمثل في:

• تناول نظام غذائي متوازن غني بالحديد.

• التوعية بأهمية الحديد وطرق امتصاصه.

• متابعة النساء الحوامل بشكل دوري لضمان عدم نقص الحديد.

• التعامل مع مشاكل النزيف المبكر وتقديم العلاج المناسب.

• تشجيع الرضاعة الطبيعية وتغذية الأطفال بشكل صحي.

أهمية الحديد في الجسم

الحديد عنصر ضروري لحياة الإنسان، وله وظائف متعددة تتجاوز دوره في تكوين الهيموغلوبين، منها:

• المشاركة في عمليات التمثيل الغذائي والطاقة داخل الخلايا.

• دعم وظيفة الجهاز المناعي وحماية الجسم من العدوى.

• المساهمة في نمو وتطور الأنسجة والخلايا.

• الحفاظ على صحة الجهاز العصبي.

جدول يوضح مستويات الحديد والفحوصات المرتبطة بأنيميا نقص الحديد

الخلاصة

أنيميا نقص الحديد هي حالة شائعة تؤثر بشكل واسع على صحة الأفراد وتؤدي إلى أعراض متعبة قد تعيق حياة المصاب بشكل كبير. يعود السبب الرئيسي لها إلى نقص عنصر الحديد الضروري لإنتاج الهيموغلوبين، وهذا النقص قد ينجم عن أسباب متعددة من ضمنها سوء التغذية، النزيف المزمن، زيادة الحاجة للحديد، أو اضطرابات في امتصاصه. التشخيص المبكر ومعرفة السبب، إلى جانب العلاج المناسب سواء بالتغذية أو المكملات أو معالجة الأسباب، يمكن أن يضمن استعادة الصحة بشكل فعال ويقلل من المضاعفات. اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن هو الركيزة الأساسية للوقاية والحفاظ على مخزون الحديد في الجسم.

المصادر والمراجع

• منظمة الصحة العالمية (WHO): “Anemia and iron deficiency”

• كتاب Harrison’s Principles of Internal Medicine, 20th Edition (2018)